ملخص المقال

خرج المهدي يتصيد، فغار به فرسه حتى وقع في خباء أعرابي، فقال: يا أعرابي هل من قِرَى.
فأخرج له قرص شعير، فأكله، ثم أخرج له فضلة من لبن فسقاه، ثم أتاه بنبيذ في ركوة فسقاه.
فلما شرب قال: أتدري من أنا؟
قال: لا.
قال: أنا من خدم أمير المؤمنين الخاصة.
قال: بارك الله لك في موضعك.
ثم سقاه مرة أخرى، فشرب فقال: يا أعرابي: أتدري من أنا؟
قال: زعمت أنك من خدم أمير المؤمنين الخاصة.
قال: لا. أنا من قواد أمير المؤمنين.
قال: رحبت بلادك وطاب مرادك.
ثم سقاه الثالثة، فلما فرغ قال يا أعرابي: أتدري من أنا.
قال: زعمت أنك من قواد أمير المؤمنين.
قال: لا، ولكني أمير المؤمنين.
فأخذ الأعرابي الركوة، فوكأها وقال: إليك عني، فوالله لو شربت الرابعة لادعيت أنك رسول الله.
فضحك المهدي حتى غشي عليه، ثم أحاطت به الخيل، ونزلت إليه الملوك والأشراف، فطار قلب الأعرابي، فقال له المهدي: لا بأس عليك، ولا خوف، ثم أمر له بكسوة ومال جزيل.
*********************************
أرق الرشيد ذات ليلة أرقًا شديدًا، فقال لوزيره جعفر بن يحيى البرمكي: إني أَرِقْتُ هذه الليلة وضاق صدري، ولم أعرف ما أصنع.. وكان خادمه مسرور واقفًا أمامه فضحك..
فقال الرشيد: ما يضحكك؟! استهزاءً بي! أم استخفافًا!
فقال مسرور: وقرابتك من سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، ما فعلت ذلك عمدًا؛ ولكن خرجت بالأمس أَتَمَشّى بظاهر القصر إلى أن جئت إلى جانب الدجلة فوجدت الناس مجتمعين، فوقفت فرأيت رجلا واقفًا يضحك الناس، يقال له "ابن المغازلي"؛ فتفكرت الآن في شيء من حديثه وكلامه فضحكت، والعفو يا أمير المؤمنين.
فقال له الرشيد: ائتني به الساعة.
فخرج مسرور مسرعا إلى أن جاء إلى ابن المغازلي، فقال له: أجب أمير المؤمنين.
فقال: سمعًا وطاعة.
فقال مسرور: بشرط أنه إذا أنعم عليك بشيء يكون لك منه الربع والبقية لي.
فقال: بل اجعل لي النصف ولك النصف.
ثم اتفقا على أن يكون الثلثان لمسرور والثلث لابن المغازلي.
فلما دخل على الرشيد سَلَّمَ فأبلغ وأحسن، ووقف بين يديه...
فقال الرشيد: إن أنت أضحكتني أعطيتك خمسمائة دينار، وإن لم تضحكني أضربك بهذا الجراب ثلاث ضربات..
فقال ابن المغازلي في نفسه: "وما عسى أن تكون ثلاث ضربات بهذا الجراب"، وظن في نفسه أن الجراب فارغ، فوقف يتكلم ويفعل أفعالاً عجيبة تضحك الجلمود، فلم يضحك الرشيد ولم يتبسم؛ فتعجب ابن المغازلي وضجر وخاف..
فقال له الرشيد: الآن استحقيت الضرب، ثم أخذ الجراب ولَفَّهُ وكان فيه أربع زلطات كبيرة، فضربه ضربة في رقبته فصرخ صرخة عظيمة، وتَذَكَّرَ الشَّرْطَ الذي شَرَطَهُ عليه مسرور..
فقال: العفو يا أمير المؤمنين، اسمع مِنِّي كلمتين..
قال: قل ما بدا لك.
قال: إن مسرورًا شرط علي شرطًا، وهو أن ما حصل لي من الصدقات يكون له فيه الثلثان ولي فيه الثلث، وما أجابني إلى ذلك إلا بعد جهد عظيم، وقد شَرَطَ عَلَيَّ أمير المؤمنين ثلاث ضربات، فنصيبي منها واحدة ونصيبه اثنتان، وقد أخذت نصيبي وبقي نصيبه..
فضحك الرشيد ودعا مسرورًا فضربه، فصاح وقال: يا أمير المؤمنين قد وهبت له ما بقي..
فضحك الرشيد وأمر لهما بألف دينار، فأخذ كل واحد منهما خمسمائة دينار.
*********************************
![]() |
كان عيسى بن صالح بن علي يَحْمُق، وكان له ابن يقال له عبد الله من عقلاء الناس، فتولى عيسى جند قنسرين، فاستخلف ابنه على العمل..
قال ابنه عبد الله: أتاني رسوله في بعض الليل يأمرني بالحضور في وقت منكر، لا يحضر فيه إلا لأمر مهم، فتوهمت أنّ كتابًا ورد من الخليفة في بعض الأشياء التي يحتاج فيها إلى حضوري وحضور الناس، فلبست السواد وتَقَدَّمْتُ بالبعثة إلى وجوه القوّاد وركبت إلى داره، فلما دخلتها سألت الْحُجَّاب: هل وَرَدَ كِتَاب من الخليفة؟ أو حَدَثَ أَمْر؟
قالوا: لم يكن من هذا شىء؛ فصرت من الدار إلى موضع تَخَلَّفَ الْحُجَّاب عنه، فسألت الْخُدَّام أيضًا، فقالوا مثل مقالة الحجاب.
فصرت الى الموضع الذي هو فيه فقال: ادخل يا بني.. فدخلت؛ فوجدته على فراشه.
فقال: علمت يا بني أني سهرت الليلة في أمر أنا مفكر فيه إلى الساعة.
قلت: أصلح الله الأمير، ما هو؟!
قال: اشتهيت أن يُصَيِّرَنِي الله من الحور العين، ويجعل في الجنة زوجي يوسف النبي، فطال في ذلك فكري.
قلت: أصلح الله الأمير، فالله عَزَّ وجَلَّ قد جعلك رجلاً، فأرجو أن يُدخلك الجنّة ويُزوجك من الحور العين، فإذا وَقَعَ هذا في فكرك فهلا اشتهيت محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يكون زوجك، فإنه أَحَقُّ بالقرابة والنَّسَب، وهو سَيِّدُ الأوّلين والآخرين، وفي أعلى عِلِّيِّين.
فقال: يا بني، لا تَظُنّ أَنّي لم أفكّر في هذا؛ فقد فَكّرت فيه، ولكن كرهت أن أغيظ السيدة عائشة.
*********************************
جاء رجل من أشراف الناس إلى بغداد، فأراد أن يكتب إلى أبيه رسالة تُخْبِرُه بوصوله، فلم يجد أحدًا يعرفه؛ فسافر بالكتاب الى أبيه، وقال: كرهت أن يُبْطِئ عليك خَبَرِي، ولم أجد أحدًا يجيئ بالكتاب فجئتك به.
*********************************
اختصم رجلان إلى بعض الولاة، فلم يُحْسِن القضاء بينهما وضربهما وقال: الحمد لله أن لم يفتني الظالم منهما.
*********************************
غَضِبَ أبو الخيثم على عاملٍ له فَكَلَّمُوهُ في الرضا عنه، فقال لا والله أو يَبْلُغَنِي عنه أنه قبل رجلي.
*********************************
قال أبو عثمان الجاحظ كان فزارة صاحب مظالم البصرة وكان أطول خلق الله لحية وأَقَلُّهُم عقلاً وهو الذي قال فيه الشاعر:
**ومن المظالم أن تكون على المظالم يا فزارة**
سمع فزارة يومًا صياحًا، فقال: ما هذا الصياح؟!
فقالوا: قوم يَتَكَلَّمُون في القرآن.
فقال: اللهم أَرِحْنَا من القرآن.
*********************************
![]() |
وَلَّى يزيد بن المهلب إعرابيًّا على بعض كُوَرِ خراسان، فلمّا كان يوم الجمعة صعد المنبر وقال: الحمد لله... ثم ارْتُجَّ عليه، فقال: أَيُّهَا الناس إيّاكم والدنيا فإنكم لن تجدوها إلا كما قال الله تعالى:
**وما الدنيا بباقيةٍ لِحَيٍّ وما حَيٌّ على الدنيا بباقي**
فقال كاتبه: أصلح الله الأمير، هذا شعر.
قال: فالدنيا باقية على أحد؟!
قال: لا.
قال: فيبقى عليها أحد؟!
قال: لا.
قال: فما كلفتك إذًا.
*********************************
خطب بعض العرب في عمل وَلِيَهُ فقال في خطبته:
إن الله خلق السموات والأرض في ستة أشهر.
فقيل له: في ستة أيام.
فقال: والله أردت أن أقولها ولكني استقللتها.
*********************************
كتب كاتب منصور بن النعمان إليه من البصرة أنه أصاب لصًّا، فَكِرَه الإقدام على قَطْعِهِ (إقامة الحد) دُون الاستطلاع على أمره وأنه خَيّاط.
فكتب إليه: اقطع رِجْلَه ودَعْ يَدَه.
فقال: إن الله أمر بغير ذلك.
فكتب إليه: انفذ ما أمرتك به فإن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
*********************************
وأتاه نخاس ببغل فقال: هذا شراؤه أربعون دينارًا.
فقال: لا تربح عليَّ شيئًا... يا غلام؛ اعطه ألفًا وخمسمائة دينار.
*********************************
ودخل على المأمون فقال: يا أمير المؤمنين الموت فَاشٍ بالكوفة ولكنه سليم.
*********************************
ودخل على أحمد بن أبي حاتم وهو يَتَغَدَّى برؤوس؛ فقال له أحمد: هَلُمَّ يا أبَا سهل، فإنها رؤوس الرُّضَّعِ فقال هَنِيئًا، أطعمنا الله وإيّاك من رؤوس أهل الجنة.
*********************************
شغب رجال على الحسين بن مُخَلّد يومًا وطالبوه بالمال فقال: أنا ما معي مال في بيتي أُخرجه، وإنما أنا للسلطان كالمرملة إن صُبّ في أَعْلاي شيئٌ أخذتموه من أسفلي، فإن صبرتم إلى أن تَرِد الأموال فُرِّقَت عليكم وإلا فالأمر لكم.
*********************************
كان عبد الله بن أبي ثور والي المدينة، فخطبهم فقال: أيّها الناس اتقوا الله وتوبوا إليه، فانه أهلك قوم صالح في ناقة، قيمتها خمسمائة درهم..
*********************************
دخل قوم من المتظلمين على شجاع بن القاسم، فخاطبهم في أمورهم فقال: ليس النظر في هذا الآن، فالأمير يجلس للنظر في هذا ومثله أول من أمس فتصيرون إليه.
*********************************
دخل شجاع على المستعين مرة وطرف ثوبه مخرق فسأله عن سبب ذلك فقال اجتزت في الدرب وكان فيه كلب فوطأت ثوبه فخرق ذيلي.
*********************************
كان نصر ابن مقبل عامل الرشيد على الرقة، فأمر بجلد شاة حَدًّا؛ فقالوا: إنها بهيمة!!
قال: الحدود لا تُعَطَّلُ وإِنْ عَطَّلْتُهَا فبئس الوالي أنا.
فانتهى خبره إلى الرشيد، فلما وَقَفَ بين يديه قال: من أنت؟!
قال: مولىً لبني كِلاب.
فضحك الرشيد وقال: كيف بَصَرُكَ بالحكم؟!
قال: الناس والبهائم عندي واحد في الحق، ولو وَجَبَ الحق على بهيمة وكانت أمي أو أختي لحددتها ولم تأخذني في الله لومة لائم.
*********************************
كان أبو الفرج محمد بن جعفر إذا أخطأ فرسه أمر بقطع علفه تأديبًا له، فإذا استرحمه بعضهم قال: اطعموه ولا تعلموه أنني علمت بذلك.
*********************************
![]() |
مَرَّ أحد المغفلين على بياع الثلج فقال أرني ما عندك فناوله قطعة ثلج، فقال: أريد أَبْرَدَ من هذا، فناوله أخرى.
فقال: ما ثمن هذا؟
فقال: رطل بدرهم، ومن الأول رطل ونصف بدرهم.
فقال: زن من الثاني.
*********************************
التعليقات
إرسال تعليقك